أكثر من رسوم متحركة
بقلم أ. عادل خراط – مسؤول خدمات إدارية وإدارة الفعاليات بمعرض مشكاة التفاعلي
“الخيال أهم من المعرفة!.. فالمعرفة محدودة، أما الخيال فيدور بصاحبه حول العالم!” ألبرت أينشتاين
أفلام الرسوم المتحركة الخيالية، فن متطور يأخذك من العالم الواقعي والحياة الرتيبة، إلى عالم غير مقيد بالقوانين الواقعية، فقد تكون الأفلام من الأنواع الدرامية أو العلمية أو الكوميدية، فنستمتع عندها بأجواء مرحة بعيدة عن ضغوطات الحياة ومتاعبها. ولا تنحصر هذه الأنواع من الأفلام بعالم الصغار، بل أنها تُبهر الكبار قبل الصغار!.. ولكن هل تساءلت مرةً، كيف توصلوا لهذه الفكرة الإبداعية؟ وكيف صاغوها في إطار قصص محبوكة بدقة، و كيف استطاعوا تبسيطها بتلك الدرجة؟ وكيف تمكنوا من تجسيد هذه الشخصيات الخيالية المحببة؟.. والسؤال الأهم لماذا تعلقنا نحن بتلك الشخصيات الطريفة، أو بتلك الأحداث الخيالية؟ علماً بأن عملية إنتاج وتصيير:(Rendering) مشهدٍ بسيطٍ مُدته بضع دقائق، قد يكلف عملاً يستغرق أياماً و أسابيعَ وأشهرًا! هذا العمل يقوم به فريق ضخم من الممثلين والخبراء والتقنيين، والنتيجة النهائية: إنتاجُ فيلمٍ يجذبنا لنشاهده ونستمتع، ونعجب به وننبهر!…
ففي كل عام تُباع أعداد هائلة من التذاكر التي تعود على المنتجين بأرباحٍ تفوق مئات الملايين من الدولارات! ولاشك بأن مثل هذه الأرقام الخيالية، هي ما يشجع الكثير من شركات الإنتاج، على الاستثمار في هذا النوع من الأفلام، فتنفق من أجلها مبالغ تتعدى أحيانا مئتي مليون دولار للفيلم الواحد! ولا عجب، فإنتاج فيلم ذا جودة عالية، يتطلب الكثير من الوقت والدراسات والبحوث والمعدات والجهود، وعدد كبير من الخبراء وفرق العمل من المختصين كلٌ في مجاله. لكن هل المال هو الدافع والهدف الرئيس للشركات والمنتجين في إنتاج الأفلام وصناعتها؟، يقول بيت دوكتر الذي يعمل كمخرج بشركة بيكسار والذي شارك في تطوير أفلام عديدة مشهورة:
” إنَّ قمة الفرح بالنسبة لي، أن أنقل تجربة مررت بها في حياتي، غيرتني وأثارت مشاعري، إلى أناسٍ لا أعرفهم، يجلسون أمام شاشات العرض في الظلام، يضحكون، و ربما يبكون !…، هكذا أستطيع التحدث إلى الناس بطريقة مختلفة! “
فالتحدث إلى الناس بطريقة غير مباشرة ومحاولة نشر الأثر الإيجابي، هو المغزى الحقيقي والمحرك الأساسي لإيصال رسالة يؤمن بها مجموعة أو فرد، إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور بأبهى حله وبأسلوب شائق. هذا الذي يدفع الشركات أيضا للعمل لساعات طويلة ومتأخرة من الليل! فشركة “بيكسار” مثال رائع على هذا الأمر، فأفلامها ليست مجرد رسومات رائعة ولقطات مضحكة بشخصيات ظريفة، وإنما هي مزيج من المشاعر والعلم والفن والخيال، ونتاج الكثير من الدراسات والاستشارات والانتقادات والتحسين المستمر، لإيصال رسالة ذات مغزى تلامس مشاعر المشاهد وترتبط به ربما إلى الأبد. فبيكسار جعلتنا نتعاطف مع الألعاب في فيلم: حكاية لعبة Toy story، ومع النمل في فيلم Ants، ومع الوحوش في شركة المرعبين المحدودة Monster Inc، ومع رجل آلي لا يملك أي تعابير وجه في فيلم Wall-E، أو مع عجوزٍ يحاول أن يطير بمنزله في فيلم UP، بل إن بيكسار جعلتنا نتعاطف حتى مع المشاعر بذاتها في فيلم Inside-out! ولكن كيف تتمكن بيكسار من إثارة مشاعرنا على هذا النحو؟
أولاً، شركة بيكسار تعطي أفلامها الوقت الكافي للنضوج، فعملية تطوير أفلامها عملية مطولة، تبدأ بتحديد فكرة تحتوي على مشكلة حقيقة بلا حل، ثم ينتقلون إلى مرحلة البحوث والدراسات والاستشارات، والتي هي جزء رئيس من كل عملية من العمليات المذكورة، فبيكسار تحاول تكوين عالم مبتكر وفقًا للكثير من الحقائق العلمية، التي تدفعنا إلى الارتباط الوثيق بهذا العالم الخيالي لنعيش هذه التجربة الفريدة الماتعة. وتنتقل بعدها إلى مرحلة ابتكار قصة جذابة وملهمة تشمل الحل المنشود، ثم كتابة سيناريو مؤثر يحرك الجمهور وتعرض مقتطفات رسومية للقصة، ثم مرحلة إنشاء الشخصيات مع تصميم هدف لكل واحد منها، بهذا يكون الفيلم قد وصل لمرحلة ما قبل الإنتاج. وفي بعض الأحيان تفشل القصة أو الشخصية أو بعض العناصر، في توصيل الرسالة، فيرجع الفريق خطوات إلى الخلف ويبدأ من جديد، وفي بعض الأحيان قد يعود إلى نقطة الصفر!
فإذا نجح العمل، وأصبح جاهزاً يتم الإنتقال إلى مرحلة الإنتاج، ويبدأ القسم المسؤول عن تنسيق العناصر وترتيبها بنقلها إلى قسم التحريك، لاختبارها ثم محاكاتها، وبعد ذلك إضافة المؤثرات المناسبة لها، ومن ثم إظهار كل ما تم تصميمه في مرحلة الإضاءة ولتنتقل أخيرًا إلى مرحلة التصيير والتي قد تستغرق أيامًا لإنتاج دقيقة واحدة من الفيلم. بالانتهاء من تلك العملية الطويلة والمعقدة يكون الفيلم جاهز لعرضه وإبهار جمهوره!
نحن في مشكاة لعلمنا بقوة تأثير هذا النوع من الأفلام على المشاهدين، يسعى فريقنا من أجل النهوض بوعي المجتمع في مجال علوم الطاقة المستدامة، نعمل دائما في تطوير أفلام الرسومات المتحركة العلمية والتعليمية ولا نقصد بتعليمية معنى “الوثائقية”- ولكن كما في بيكسار فأفلامنا بالإضافة إلى جانبها العلمي، تتصف بالأسلوب القصصي الجميل الماتع، الذي يسهل لجمهورنا فهم العلوم والتفاعل معها. ولذا فإن مشاهدة أفلام الرسوم المتحركة التعليمية، من المحطات الأساسية والمهمة في جولة التعلم المشكاتية لزوار معرضنا.
فالعلم هو من الأهداف التي تستحق منا العمل من أجله، وبلا شك فتطوير أفلام رسومات متحركة تشرح العلوم بأسلوبها القصصي الخيالي المحبب، هو من أفضل خياراتنا لإلهام جمهورنا الكريم ليصبحوا رواد ومبدعي طاقة المستقبل.
مواقع ذات صلة: