
وفرة الماء وتحدي الطاقة
إن الطبيعة البيئية والمناخية للمملكة تحد من وفرة الماء، حيث تفتقر المنطقة إلى المياه العذبة اللازمة لسد الاحتياج الأساسي للإنسان. ومنها نشأت الحاجة إلى تحلية مياه البحر والتي بدأت بتوفير “الكنداسة” وهي جهاز تكثيف لتقطير مياه البحر بأمر سامي أصدره الملك عبد العزيز آل سعود رحمة الله عليه في عام 1928م لسد حاجة الحجاج والمعتمرين من الماء العذب.
ومنذ ذلك الحين، والطلب على الماء العذب في ازدياد مع التوسع المدني والتطور المعيشي الذي نشهده على مدى الأعوام في مملكتنا. إن ارتفاع الحاجة إلى الماء العذب يزيد من الحاجة إلى الطاقة اللازمة لتشغيل هذه المنظومة وضمان استمرارية إنتاجها بما لا يؤثر على أمان وفرة الماء ومقابلة الطلب العالي.
لقد خدم النفط لعقود من الزمن وسد الاحتياج المحلي للطاقة، ولما جد عالمياً في الأعوام القليلة الماضية من ضرورة تغيير أنماط استهلاك الطاقة وضرورة إدخال مصادر طاقة متجددة وبديلة، بالإضافة إلى العمل على تقليل الانبعاثات الكربونية بل وتحقيق صفرية إنتاجها من عمليات إنتاج الطاقة وذلك سعياً للحد من تغييرات المناخ والحفاظ على النظام البيئي في حالة متزنة وتضمن استدامة ووفرة الموارد.
نشأت الحاجة إلى تحويل الاعتماد على الوقود السائل في العمليات الضخمة لتحلية المياه إلى المصادر المتجددة للطاقة والتي أصبحت أحد المستهدفات الوطنية متمثلة في رؤية المملكة 2030، إضافة إلى كونها هدفاً عالمياً يجب تحقيقه لمصلحة البشرية والكوكب. ومن هنا ظهر الانتقال السريع إلى الطاقة المتجددة من خلال التوسع في تطبيق الطاقة المتجددة في محطات تحلية المياه المنتشرة حول المملكة، كما هو الحال في منظومة إنتاج الخفجي التي تعتمد على ما نسبته 25% من الكهرباء بالطاقة الشمسية بما يعادل 10 ميجا واط من الكهرباء يومياً، ومنظومة إنتاج الجبيل التي تعتمد على 20% من الكهرباء الناتجة عن الطاقة المتجددة.
إن التوسع في حلول الطاقة يستمر من خلال البحث والدراسة حيث يتم حالياً في المملكة استهداف تطبيق الطاقة الهيدروليكية الناتجة من الطاقة الحركية لتدفق الماء إلى طاقة كهربائية نظيفة تغذي منظومات التحلية. كما يتم العمل على دراسة حلول خفض الانبعاثات الكربونية من خلال تقليل الانبعاثات ونذكر هنا أحد الحلول الذي تمثل في إيقاف عمل محطتين قديمتين (جدة4 وينبع1) ما ساهم في خفض 150 ألف طن من الكربون سنوياً وتفعيل محطات جديدة بمعايير عالمية لتقليل الانبعاثات وإعادة تدويرها بحيث يتم تحويلها إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية كالميثان.
حاجتنا للماء كبشر لا تفوق أهميتها حاجتنا للعمل على التحديات المناخية التي يواجهها الكوكب ويعاني من آثارها الإنسان، ويجب أن يحمل هذه المسؤولية الأفراد والمؤسسات على حد سواء. وهنا علينا جميعاً التكاتف لتسخير الإمكانيات وتوجيه القدرات إلى دعم الابتكار والتطوير بما يحقق هذه المصلحة التي يمد أثرها إلى أجيال قادمة.