القصة
بقلم أ. عبدالعزيز مرتضى – مطور محتوى بمعرض مشكاة التفاعلي
وأ. أسعد السلطان – مندوب مشتريات بمعرض مشكاة التفاعلي
في ليلة صيف ماطرة، رحت أصغي لزخات المطر وهي تبدد سكون الليل فعادت بي الذاكرة إلى قصص جدتي الممتعة! حين كنا نجتمع حولها نصغي بلهفة لما ترويه عن مغامرات الأبطال وشر الأشباح والسحرة والمردة وابن السلطان والشخصيات الخيالية الأخرى التي كانت تواجه المواقف الغريبة والعجيبة وتتعامل معها بطرق أغرب!
كان لتلك القصص أثر جميل في نفسي. فقد كانت دروس حياة أستفيد منها..
ولكن كيف يمكن أن يكون لبعض القصص هذا الأثر الإيجابي على النفس؟
إن القصة بمفهومها البسيط هو سرد لحكاية في أسلوب بسيط ومشوق. عرفها البشر منذ القدم، إذ كان يرويها الآباء والأمهات للأبناء في الحل والترحال وتحت قباب الخيام كسيرة عنترة وقصص ألف ليلة وليلة ومقامات بديع الزمان وحكايات كليلة ودمنة والبخلاء للجاحظ وطرائف جحا!
ويعرفها محمود تيمور بقوله: ( هي عرض لفكرة مرت بخاطر الكاتب أو تسجيل لصورة تأثرت بها مخيلته أو بسط لعاطفة اختلجت في صدره فأراد أن يعبر عنها بالكلام ليصل بها إلى أذهان القراء محاولاَ أن يكون أثرها في نفوسهم مثل أثرها في نفسه)
الفن القصصي فن جميل يحبه الكبار قبل الصغار فالكاتب يستطيع نشر الأفكار والمبادئ المختلفة بقلمه إلى عقول القراء والمستمعين والمشاهدين!
فالقصة تدخلنا إلى عوالم المعامع والمغامرات فنعيش كمحققين ومتحرين مع القصص البوليسية ونتجول في حدائق زاهية ومبهجة الألوان مع القصص الرومانسية ونتألم مع قصص البؤساء والمظلومين ونبتسم مع السعداء من المنجزين والناجحين والملهمين، ونعيش الماضي وأحداثه مع القصص التاريخية ونقفز إلى عالم المستقبل الخيالي مع قصص الخيال العلمي. فنعيش حياة لم نعهدها من قبل وقد لا نعيشها أبداَ. وهذا ما يفسر نوعا ما جلوسنا لساعات طويلة بين صفحات الكتب أو أمام الشاشة لمشاهدة الأفلام والمسلسلات!
ودعوني أشارككم إحدى أقصر القصص التي شدت انتباهي وإعجابي وهي مثال على أسلوب يستخدمه بعض الكتاب بحيث يترك للقراء التفسير وإكمال القصة بخياله.
فتبدأ القصة وتنتهي هكذا: (للبيع حذاء طفل لم يلبس قط!) للكاتب ارنست هيمنجواي.
ساهمت القصة في نشر الوعي والمعارف بين المجتمعات ومعالجة بعض المشاكل الاجتماعية ووسعت مدارك جمهورها وساعدتهم في مواجهة عقبات الحياة وتحدياتها. وتطورت في أساليب عرضها، من الأسلوب الحكواتي إلى الأساليب الأكثر تأثيرا، وحتى وصلت إلى ما نشاهده اليوم من الأفلام والمسلسلات. ودعونا نقف قليلا على المرحلة التي تلت الأسلوب الحكواتي لسرد القصص، وهي مرحلة “العرض المسرحي”!
المسرحية نص يأتي على هيئة حوار يصور به الكاتب قصة ما يقوم الممثلون بتمثيل النص المسرحي أمام الجمهور. وأدى المسرح دوره في تعليم المجتمعات وتنويع أفكارهم في بعض الأحيان وإضافة الضحكات في
الحين الآخر. ومع مرور الزمان طور المسرحيون فضاء العرض المسرحي بتقنيات حديثة فأدخلوا الأدوات والمواد المستخدمة في ذلك العصر والتي جعلت من العرض المسرحي اليوم عرضاً أكثر جمالاً وإبهاراً وتأثيراً.
وقد شهد القرن الواحد والعشرين كما هو واضح للجميع، ثورات متنوعة على كافة الأصعدة, وأصبحنا نعيش عصر التكنولوجيا والتطور التقني. ففي هذا العصر دخلت التقنيات الحديثة وساعدت في أساليب طرح وعرض القصص، مثل إدخال تقنيات الصورة المتحركة عالية الجودة والرسومات الثلاثية الأبعاد وتقنيات الضوء الليزرية والمؤثرات الصوتية بأجهزتها المتطورة وغيرها. لكن هل يعني دخول التقنيات ضياعاً لحق القصة؟
بالتأكيد سيكون الجواب, لا, لأن على المُخرج أن يسخر التقنية لخدمة أهداف القصة الفكرية والجمالية ليعرض القصة بأعلى درجات التميز الذي يخرج الجمهور من فضاء المألوف إلى فضاء الإبهار والجذب والإلهام.
وفي وقتنا الحاضر وتحديدا في معرض مشكاة التفاعلي للطاقة الذرية والمتجددة، طورنا برنامج قصصي تفاعلي يمزج بين التقنية وفن القصة كأحد الأساليب الحديثة لتوصيل العلوم كنهج جديد في توصيل المعارف وإلهام النشء.
فكانت القصة عن حياة ومسيرة كفاح العالم “نيكولا تيسلا” وكيف استطاع تخطي التحديات والعقبات ووجد داخلها فرص ليصبح بعد ذلك عالما رائدا بعلمه واختراعاته وليساعد البشرية من بعد ذلك على النهضة والتطور.
جُسدت القصة والتقنية المصاحبة لها بقالب التصوير السينمائي للأفلام القصيرة، وطورت بأيدي مشكاتية من كتابة القصة وصولاً إلى التسجيل والإخراج ونظام التصويت الإلكتروني الذي أعطى للجمهور دور في تحديد مسار القصة من بعد ذلك والخروج بالدروس المستفادة وإبداء آرائهم أيضا! فيكون لكل حاضر صوت في عالم هذه القصة!.
وختاماً، فإن القصة وكما شاهدتم، لها أثرٌ كبير على النفس لأنها تلامس عقول متابعيها وتؤثر في مشاعرهم لارتباطها بواقع الحياة وتحدياتها. فسيستفيد منها الكبير والصغير والحالم والواقعي وستسافر بهم إلى أقطار العوالم الساحرة والجاذبة. وتجعلهم يتعاملون مع أطرف المواقف وأكثرها خطراً بصحبة شخصيات خالية! وهم في بيتهم بين أحبابهم وأقرانهم!
وما يدريك قد تكون أنت صاحب القصة الملهمة القادمة أو مؤلفها!